الفصل الرابع
بدأ يامن يستعد للتوجه إلى المصحة فهناك بعض الحالات التي تحتاج لإشرافه هو لقد راجع محادثاته عدة مرات منذ الصباح ولم تصله كلمة من هذه المجهولة والتى تثير فضوله العلمى بشدة ، تحرك بخفة رغم ساقه الصناعية يلتقط الحاسوب ليغادر ليجد عدة اشعارات متتالية فتح الجهاز ليجلس فوراً ويفتح المحادثة.
ربما كونه إنسان متزنا لا تقبل نفسه التعدى على الآخرين وخاصة النساء فهو يتعاطف معها بجزء من كيانه الداخلى الذى يحرص على الفصل بينه وبين دوره الطبى
شعر ببعض القلق حين أخبرته أنها تعرفت على من يعتدى عليها فهذا يثبت أن حالة التعدى ليست من نسج حالتها النفسية بل هى واقع وهناك متعدى قد يزيد من تعديه حال تعرف الضحية عليه .
زادت وساوسه حين أخبرته أن هذا الشخص يعيش معها بالمنزل فقد أخبرته سابقا أنها تعيش برفقة أبيها واخيها بعد وفاة زوجها
هل يمكنها أن تتعرف على رائحة شخص ما بهذه الدقة؟
أسرع يتساءل عن شخصية المتعدى الذى تتحدث عنه فعليه أن يتأكد أنها تفصل بين الواقع والخيال لتأتيه إجابة فورية منها
_ جاسر
اتسعت عينيه وهو ينظر للشاشة حيث توقفت عن الكتابة ويبدو أنها تعانى وحدها
_ الحارس بتاعك؟
لم تجب ليتأكد أنها بالفعل تعانى وهى عاجزة عن التواصل لكنه لن يفقدها فى هذه المرحلة من انهيارها لذا سارع بالاتصال بها وتمنى أن تتمكن من إجابة اتصاله.
……………..
لم تفكر نارا كثيراً فى عدم الرد فهى ترتجف بكل بدنها وتعجز عن الكتابة، دموعها تتسابق للتساقط ناعية نفسها وعثرات حظها .
يستحيل أن تخطئ تلك الرائحة فقد كانت تتعلق ببدنها كلما تعدى عليها، له رائحة نفاذة تعبر عن إثارته خاصة أنه لا يستخدم العطر مؤكد ليقطع عليها طريق التعرف عليه ، لقد كان صديقاً لقاهر ومؤكد أنه أطلعه على انفراد حاسة الشم لديها وقوتها.
فتحت الاتصال ليأتيها صوت هادئ
_ انت بخير؟
هزت رأسها نفيا وكأنه يراها وأجابت عنها شهقات مكتومة ليتابع
_ اسمعينى دلوقتى لو هو بيقدر يدخل اوضتك بالليل من غير ما حد يشك فيه ويقضى فيها كل الوقت ده من غير ما حد يدور عليه يبقى اكيد معاه مفاتيح أهل البيت، بيقدر يعرف الوقت اللى محدش هيدور عليه فيه ويستغله كويس جدا
_ ده كان صاحبه ازاى يعمل فيا كده ؟
_ انا عاوز اعرف انت حاسة بإيه دلوقتى ؟ مش لازم تحتفظى جواك بأي مشاعر سلبية
_ انا جوايا نار مش مشاعر سلبية
_ النار دى انت أول اللى هيتأذى منها، انا لازم اشوفك واحب اقولك أن لحد دلوقتي مش اكيد يكون كل ده بيحصل وده مش تشكيك فى عقلك ولا اتزانك ده مجرد افتراض لازم نحطه قدام عنينا ولحد ما نتأكد من صحة أو خطأ الافتراضات كلها لازم تعملى لنفسك مساحة تبعدك عن الكل، اقفلى باب الأوضة بالليل، حاولى تخرجى من غير حراسة، راقبى أكلك ولازم بأي شكل اشوفك
صمتت نارا تحلل رغبته في رؤيتها التى هى أشد حاجة إليها منه لكنها استساغت تلك الحياة المرفهة المحاطة بعناية الجميع حتى صفعتها الحقيقة بأنها تحتاج لعناية نفسها بنفسها قبل أي شخص آخر.
_ سيب لى عنوان المصحة وانا هشوف
أنهت المحادثة لتنظر إلى الشاشة بتركيز وهو يكتب لها عنوان المصحة قبل أن تبدأ البحث عنه فهى لن تثق في أي شخص بعد الآن حتى تتأكد من كل المعطيات بنفسها، لن تسمح بالمزيد من التعدى على روحها أو بدنها أو عقلها.
وقفت أسفل قطرات المياة المنسابة بهدوء عينيها تبكى وقلبها يرتجف حرفيا مسببا لها ألم شديد في عامة صدرها.
لقد خسرت المرآة التى حطمتها لكنها ليست بالأمر الهام فهى لا تهتم كثيراً لمظهرها بالفعل ، اختارت ثوبا أنيقا يصل لكاحليها بلا أكمام وتركت شعرها منسدلا بلا قيود قبل أن تغادر الغرفة لينتفض أمامها جاسر فيثير الرعب بين جنبات صدرها.
حرصت على الاحتفاظ بهيئة قوية تساعدها الحواجز السوداء التى تخفى عينيها وهى تتقدم لتتخطاه لكنه يقف بطريقها
_ رايحة فين ؟
_ مش شغلك، انت تمشى ورايا وبس
ارتفع حاجبيه دهشة لردها القوى بينما تابعت التقدم وهو يتبعها بالفعل فهذا التبدل السريع والشاسع فى حالتها يقلقه فقد إعتاد شخصيتها الضعيفة التى يسهل قهرها ربما عليه أن يفسح المجال لسياف ليعيدها لتلك الحالة.
اتجهت إلى سيارتها لتستقر بالمقعد الخلفى بتكبر فيتخذ مقعد السائق وهو يشير لأحد مساعديه ليتبعه ويجلس بجواره .
بدأ يحرك السيارة وهو ينظر لها عبر المرآة منتظرا الأمر بالمكان الذى سيتجهون إليه لكنها فتحت هاتفها مهملة وجوده بتكبر
_ Hi dadحبيبى انا رايحة أعمل ليدى كير ويمكن اتأخرحاجزة مساچ محتاجة أهدى اعصابى شوية ، هتغدا برة اكيد
حافظ على سرعة هادئة حتى أنهت المحادثة ودون أن تنظر إليه أو تحدثه ارسلت له موقع الوصول لتزداد دهشته ليس لأنها تقصد المكان للمرة الأولى بل لأنها تتعامل معه بهذه القوة للمرة الأولى.
فتح لها المساعد باب السيارة بينما ترجل هو بخيلاء يتبعها فتصمت حتى دخلت المكان الذى تختلف الأجواء داخله بشكل جذري عن خارجه، بمجرد عبورهم الباب الثانى بعد ردهة قصيرة فاحت رائحة الأعشاب الطبيعية ممتزجة بزيوت عطرية نفاذة لكنها طيبة.
الهواء بادر بالداخل بشكل ملحوظ وعلى اليمين مكتب الاستقبال المحاط بزهور آسيوية حتى الفتاة العاملة ترتدى زيا أسيويا.
اقتربت منها نارا لتبتسم فورا
_ مس نارا الزناتى ؟
أكدت لها بإيمائة قصيرة لتدق جرسا
_ فى انتظار حضرتك بس الاستاذ يستنى برة أو يدخل منطقة الانتظار فى كافيه ومطعم يابانى وإذا تحب حضرتك بداية من الدور الرابع مخصص للرجال فيه جيم وساونا وچاكوزى ومساچ والمدام قدامها مش أقل من أربع ساعات
_ اطلع يا جاسر وانا هدفع لك
لم يعد يتحمل التكبر والتعالى فى نبرة صوتها، من تظن نفسها لتعامله بهذه الطريقة، تحتاج لتأديب شديد على هذا الأسلوب وسيعمل على أن تحصل على قسط وافر منه .
_ متشكر انا مش أول مرة اجى هنا وبدفع عادى مش لازم اكون ابن الزناتى علشان اقدر ادخل مكان زى ده
واتجه نحو المصعد الداخلى وهى توليه ظهرها لدقائق حتى قالت الفتاة
_ طلع يافندم
_ انا متشكرة جدا، ده المبلغ اللى اتفقنا عليه
_ بس معادك كمان ساعتين
_ اكيد هرجع قبل معادى
_ باب الدخول التانى اللى هتخرجى منه من هنا اخر باب
اتجهت إلى حيث أشارت إليها ولم تغادر الباب حتى توقفت السيارة التى ستقلها إلى تلك المصحة فمع صراع المخاوف داخلها قررت المجازفة ولن تتراجع فهى خائفة فى كل الأحوال والخوف مؤلم مهما تعددت أسبابه.
…………….
جلس جاسر وقد تحرر من ملابسه وبدلها بأخرى رياضية حصل عليها من الصالة الرياضية ، لقد زاد الأوزان فهو بحاجة لإرهاق نفسه بدلاً من تفريغ كل تلك الشحنة بها ليلا.
لا ينكر أنه ألف قربها لدرجة كبيرة ، احيانا يتوق قلبه لنظرة من عينيها وهو يصل لذروة اكتفاءه معها.
لم يسرف مطلقاً فى تخديرها فقد أراد أن تشعر بما يحدث وتفقد القدرة فى نفس الوقت على إثباته ، يحرص على تنظيف أثره ليزيد من تشتتها وتشوشها ويدفعها للجنون الذى سيجعلها فريسة سهلة المنال بين براثنه.
هى تستحق الجنون ، بل هو أكثر الأحكام رأفة بها فهو لن يتمكن من قتلها رغم يقينه أنها تستحق القتل.
أراد أن يراها تعانى وقد أثلجت صدره لأشهر بحالتها التى وصلت لحافة الإنهيار وحين أوشكت على السقوط حدث أمر ما لا يعرفه حال دون ذلك.
_ تستاهل يا جاسر، كان لازم تقتلها من الأول
_ ما اقدرش اقتلها انا اللى كنت بحبها بس هى اختارت قاهر
تعالت ضحكات عقله المتهكمة من سذاجة هذه المشاعر
_ وعملت له إيه لما اختارته؟ اهو اتقتل بسببها، سياف المجنون قتله وهى كان لازم تموت زى ما موتنا كلنا بسببها.
_ جاسر فى إيه انت بتنتقم من نفسك؟ قوم يلا اعمل ريكارديو علشان عضلاتك تفك
سحبه المدرب من شروده ليتحرك ببطء منفثا عن المزيد من غضبه.
…………….
وصلت نارا للمكان الذى لا يبعد سوى خمس دقائق بالسيارة وقد اختارت قرب المكان لتحصل على وقت إضافي ، المكان يشبه منتجع أكثر منه مصحة نفسية، لم تقابل أي شخص قد يتعرف عليها فيبدو أنهم يعملون على الخصوصية بالفعل، تقدمت فى ممشى محاط بالاشجار حتى الباب الداخلى الذى يقف أمامه شابا
_ أي خدمة حضرتك ؟
_ عاوزة اقابل دكتور يامن
_ لحظة واحدة فى حالة منتظرة تحبى تدخلى ولا تنتظرى بعيد؟ هنا اكتر من مكان للانتظار منفصلين تماماً
_ هستنى بس ماعنديش وقت كتير
_ اتفضلى هنا وهبلغ الدكتور حالا
دخلت الغرفة التى أشار إليها لتشعر بالراحة ليس فقط للجو المعد لذلك بل لكونها وحدها بالفعل.
مر دقيقتين تقريبا ودخل يامن للغرفة لتتعرف عليه فوراً ، لاحظت عرجا خفيفا فى خطواته وهو يقترب منها
_ انا …
قاطعته فوراً
_ عارفة إحنا اتكلمنا النهاردة وبعت لى العنوان ، انا جيت اهو هتقدر تفيدنى بأيه ؟
جالت عينيه تحصى رفرفة اهدابها التى تدل على التوتر، انقباض كفها الذى يدل على الخوف، لهجتها الحازمة التى يخيل لها انها تضفى عليها المزيد من القوة.
_ اتفضلى نروح مكان احسن من هنا
لاحظ ترددها ليتقدم فيخرج من باب غير الذى دخل منه لتتبعه فتجد نفسها فى حديقة مريحة لكن توترها يفيض على مشاعرها بالفعل
_ تسمحى نعمل فحص طبي قبل ما نتكلم؟
_ انت بتشكك فى كلامى؟
_ انا عاوز اطمن عليك انا دلوقتي الدكتور بتاعك ولازم يكون بنا ثقة متبادلة وانا عندى هنا فريق طبى وهختار لك احسن دكتورة عندى
_ ماعنديش وقت كتير
_ اتفضلى حالا
دخلت معه لغرفة أخرى مجهزة بعدة أجهزة طبية ، لحظات ودخلت طبيبة مريحة الملامح تقدمت منه ليهمس لها بما لم تسمعه قبل أن تتجه نحوها
_ اتفضلى معايا
سحبت عينة من دمائها وأجرت عليها فحصا دقيقا استمر لعشرين دقيقة كاملة قبل أن تطلب منها الاسترخاء وارتداء ملابسها.
حين عادت للغرفة كان يامن ينتظر وكانت بالفعل ترتجف
_ انت خايفة ليه كده؟
_ حط نفسك مكانى، بقالى سنة عايشة كابوس مابيخلصش ومحدش بيصدقنى حتى انت مش مصدقنى
_ مين قال؟ انا مصدقك وقولت لك انا عاوز اطمن عليك مش اكتر ، اتفضلى ارتاحى وقولى لى روتين يومك ازاى
جلست نارا تتحدث بالقليل فهى لا تملك الكثير للتحدث عنه لكنه بدأ يتخذ من كلماتها مفاتيح لاسئلة أخرى ليطلع بيسر شديد على كل المعلومات عنها فيتأكد أنها أضعف من أن تتحمل المزيد ، لقد وصلت هذه المرأة لحافة النهاية بالفعل وعليه أن يعيدها خطوات للخلف.
_ قولى لى يا نارا قبل كل ده انت كنت بتعملى إيه قبل ما تعرفى قاهر وجاسر
_ انا اعرفهم من وانا صغيرة زى ما قولت لك أصحاب سياف أخويا وبمجرد ما اشتغلوا مع بابا بقوا مقيمين عندنا
يبدو أنها لا تملك من الحياة ما تتشبث به بعيدا عن هذه المأساة أو هكذا يصور لها عقلها لذا تابع
_ انت دارسة إيه ؟
_ انا خريجة ألسن وكنت بحلم اترجم من الأدب الروسى
_ وليه ماعملتيش كده؟
_ اتجوزت انا وقاهر بعد الجامعة علطول وحياة قاهر كانت كلها زحمة وتوتر ماكنش عندى وقت اعمل حاجة غير انى اشوف طلباته .
شعر أنها تعرضت بالفعل لتهميش داخلى لتظل تدور فى فلك ذلك القاهر وهذا أسلوب معروف له حيث يلجأ الزوج لفرض سطوته خوفاً من ظهور قوة زوجته فيبقى قوتها أسفل تحكماته هو، ياله من تشويه للأرواح !!
_ امبارح كنت رافضة تماما انك تحاولى مجرد محاولة انك تخرجى من غير حراسة والنهاردة انت موجودة قدامى اهو، إيه اللى اتغير؟
نهدة طويلة عبرت عن صراع قوى قبل أن تنظر إليه مباشرة
_ عرفت أن محدش قادر يحمينى، وعرفت أن سياف قتل قاهر ، وعرفت انى لازم أقوى نفسى وانا خايفة.. خايفة اوى ، تقدر تطمنى؟
…………..
كانت الفكرة تراود عقل سياف منذ فترة طويلة لكنه لم يكن يملك الشجاعة الكافية لتنفيذها، لكنه بالفعل بحاجة نفسية لذلك ليتمكن من متابعة حياته هو فقط يحتاج مختص بالتقنية الالكترونية يدير له هذه الجريمة بشكل لا يمكن تتبعه فحين يمزق أحدهم ببطء سيحصل على سلامه الخاص الذى يبغى.
ترى من سيختار ليكون الضحية الأولى ؟؟
#الضحية_قسمةالشبيني
رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئه الفصل 36